top of page
صورة الكاتبMarwah Nadreen

كيف تعيش آخر ١٠٠ يوم | الجزء الثاني | حوار لا منطقي

أوجست...

هو الشهر الذي قدّر علي أن أولد به في عام ١٩٩٠... أنا سأكمل ٣٣ سنة...


كنتُ أمشي في الشارع المجاور لفندقي الذي قررت أن أستقر به عدة أشهر إلى أن أفكر بخطوتي القادمة في الحياة هنا في الرياض...

لم أذهب اليوم إلى الدوام، بالكاد رددت على بعض المكالمات لأصدقائي كي لا يظنوا أنني لم أعد على قيد الحياة...

كنت أبكي... بدون دموع، ف دموعي جفت و انتهت منذ فترة ليست بقصيرة...

مُرهقة، كأنني اقتلعت الشوك من ورود حديقة كاملة و لم يبق في يدي شبر بدون جرح أو خدش.

فارغة من داخلي، كنت أسمعُ صوت صدى نفَسي و هو يخرج بصعوبة من صدري ليبقيني كيدا على قيد الحياة.

أنوار السيارات كانت متناثرة، متداخلة ببعضها.

و أنا، أفقد قدرتي شيئا فشيئا على الوقوف. فقررت الجلوس على طرف الرصيف كي أهدأ و أتمالك أعصابي.


وضعتُ هاتفي بجانبي... و بدأت أتأمل الحياة حولي... بالتأكيد ستخطر في بالي الفكرة المعتادة، مُذهل كيف كل شخص في هذه الحياة يذهب باتجاه مختلف و لديه قصة مختلفة في داخله لن يعرفها أحد.

تردد صوت صدى في داخلي... قصة لن يعرفها أحد...

كيف أستطيع الاختفاء من هذه الحياة دون أن أتسبب بضرر دائم في ذاكرة من يعرفني؟

كان قد تبقى على نهاية السنة أكثر من ١٠٠ يوم بعدة أيام، أعتقد أنني قرأت ذلك في بوست ما، على الإنستجرام و بدأت الفكرة في الدخول إلى عقلي بدون وعي مني...


آخر ١٠٠ يوم...


اتصل أحد أصدقائي... شخص ذو بعد فلسفي، دم خفيف، و نظرة لا مبالية لكل الحياة... تتخلل محادثاتنا الكثير من الجمل التي لا يفهمها أحد.. و أعتقد بداخلي أننا حتى نحن لا نفهمها لكننا نستمتع باللامعنى... ولإضافة الهراء لهذه المحادثات، فلسبب لا أعرفه فعلا، تبدو محادثاتنا بلا هدف...

سألني: ما هو لون الحياة لديك اليوم؟

أجبت: تبدو الحياة شفافة.

قال: كيف نلونها؟ إنت ملك الألوان.

أجبت: ألواني خلصت.

قال: جيب من جرير.

أجبت: خلصت من كل الفروع.

قال: أرجعي كندا طيب، يمكن هناك فيه.

أجبت فجأة مع موجة بكاء... مافيني حيل عيش و روح والله... أنا تعبت.

فقال: ساعة و سأكون عندك... نفتّش عن الألوان سويا في الرياض.

أرسلت له اللوكيشن... جاء و جلس بجانبي على الرصيف... أعتقد أننا جلسنا صامتين أكثر من ٣ ساعات متواصلة، ثم فجأة، كسر صيام الصمت بجملة مريبة...

بتفكري تموتي نفسك بالشارع؟

أجبت: يب

-بسيارة ولا شاحنة؟

أجبت بسخرية: خليني أكتب الخبر أول عشان أقدر أتخيل الأنسب. بس أعتقد أنني أفضل شاحنة ضخمة مزركشة بالكثير من الألوان اللامنطقية، كي تظهر الصورة "مبهجة" في الأخبار.

-متى التنفيذ؟

-ما قررت بس قريبا...

-لمين حتتركي رسوماتك؟

-ما فكرت... بدك ياها؟

-يب، كلها.

-ليش؟

-عشان أقول الغبية اللي قررت تموت بالألوان حرفيا، رسمت هذه الرسومات... تعرفي القصّة دي كم حتخلي قيمة ل هاللوحات؟ يحمس.

-ضحكت رغما عني على سخافة ما يقوله.

-طيب... أنا جوعان... إنت حتموتي وإنت جوعانة؟

-بتعرف بالسوري بيقولوا مثل: "حزين و واعي". حقيقي لا أشعر بأي رغبة للأكل... روح و كل.

-لا المسلسل هنا حلو، خلينا نطلب أكل يوصل لنا هنا و نشوف كيف حنوصف للمندوب والله المستعان منك. أختار أنا؟

-طيب، أي شي. مافي شي فارق.

-فعلا؟ لا تختبريني!

-أتحداك تجيب شي... يخليني حس إنه تبا لهالاختيار الزفت.

-هذا الكلام... حتشوفي...

نظرت إلى عينيه و هو يحاول العثور على شيء يثير استفزازي فعلا... و أضحكتني تحوّل النظرة إلى انتصار.

قال: ما أكون أنا لو ما خليتك تنفذي خطتك اليوم... مو فاضيين لك لسه تطوليها ١٠٠ يوم... ورانا أشغال يا بنتي.


لن أخبركم ماذا طلب... لكنه بالفعل نجح في إثارة قرفي من كل تفاصيل الحياة...


ذهبت بعدها في اليوم التالي إلى طوارئ مستشفى الأمل من جديد... و من ثم طوارئ مستشفى أخرى لأنني بكل بساطة لا أستطيع أن آكل لقمة واحدة من شدة عدم رغبتي بالحياة...




لا أعرف في تلك الفترة من عرّفني على هذا المشروب الجيد... لكنه أصبح كل ما أستطيع أكله خلال اليوم... كنتُ أعيش على العلبة الواحدة أياما... ليست بكافية بالطبع، لكنها تقيني من زيارة الطوارئ و وغز الإبر و الأسئلة الوجودية مثل: ليش ما بتاكلي؟ لا دنيا كويس مافي خوف إنت...



استمر أوجست بأن يكون شهر الانهيار الأعظم... كنت أكاد لا أدرك أي شيء حولي... أنا منهكة لحد الموت، لا أستوعب أي حرف يقال لي... كل ما يجري في حياتي عبارة عن هلوسات، خيالات، الكثير من الانكسارات، الانهيارات... لحظات التهور...

أتذكر أنني في إحدى المرات، خرجت من المستشفى دون أن يزيلوا لي هذه الإبرة... و لم أدرك الأمر إلا عندما نبهتني عليه موظفة استقبال الفندق التي كانت تشعر بالذعر عند رؤيتي بهذا المنظر أمامها... جثة تمشي. هكذا وصفتني، وهكذا فعلا كنت أشعر.



من الملفت لي دائما أنني أستطيع أن أبدو أقوى مهما حصل... ف من أنت يا "عزيزي" كي أسمح لك بأن ترى ضعفي؟ على أساس أنا "أوبرا وينفري" كي يكترث أحد لي.

في خضم كل هذه الإنهيارات... قررت الانتقال لمنزل كي أشعر بالقليل من الاستقرار ولأن الحياة كانت مليئة بالمفاجآت السيئة لي في تلك الأيام...


هل تظنوا أن أوجست انتهى عند هذا الحد؟ ههههه

كلا بالطبع...

في وقت سابق أعتقد قرابة الشهر، شخصيتي الاجتماعية قررت أن تقول نعم للقاء عام مع الجمهور بكامل قواي العقلية لايف...

و في ٢٦ أوجست تحديدا...

كان يتوجب علي أن أذهب، أتحدث مع ٧٠ شخصا من الغرباء و أنا التي كنت صباحا في فقرة انهيار درامية مأساوية.


مر الحدث بسلام... نوعا ما...

على الأقل لم أنهار على المسرح، لم أبكي فجأة، رغم أنني كافحت كي أخفي دموعي...


كان صديقي عبد الرحمن شنقيطي، قد رتب لي شيئا لطيفلا لعيد ميلادي الذي صادف نفس اليوم... هربت إلى الحمام لعشرة دقائق... أتذكر أنني ضربت رأسي بالجدار من توتري و رغبتي بالاختفاء... ثم قررت الذهاب معهم...

تمني أمنية...




-لا يوجد لدي جواب حقيقي... لا أتمنى أي شيء..

لحظة! ربما أتمنى أن يصمت الصوت في رأسي للأبد.


و هكذا... أخيرا انتهى أوجست... من أصعب شهور حياتي بالتأكيد...

يبدو أنه سيكون هناك جزءا مملا ثالثا...

إلى وقتها...

أتمنى تكونوا على قيد الحياة فعلا بكامل جوارحكم...


١٦٩ مشاهدةتعليقان (٢)

أحدث منشورات

عرض الكل

2 Kommentare


bynizarjawad
15. Jan.

طيب شو اكلتي على الرصيف ؟ كيكة ميلادك اكلتيها كلها ؟ 😁😁

Gefällt mir

Almohannad Alsbeai
Almohannad Alsbeai
14. Jan.

الخبر الجيد، لست وحدك الخبر السيء، سيكون هناك منعطفات أخرى شبيهة في هذه الحياة، يمكننا أن نستسلم للحياة ونجعلها تقلبنا كما تقلب الرياح طائرة ورقية أو نتخذ قرار بأن نتصارع مع الحياة ونصرعها لنمضي في وجهتنا كما نشاء، بالنهاية لا يحق لأحد إطلاق الأحكام فنحن لم نمر بنفس التجربة ولا نستطيع تخيلها حتى (نتفلسف على كيف أمنا) ... في كل المنعطفات القادمة أقول فقط ... كوني بخير ونحنا هنا نساعد بعض على تجاوز هذه المنعطفات ونعود سوية تجاه الدرب الصحيح

Gefällt mir
bottom of page